ثم إن ههنا في هذا الخبر الذي قلنا أنه أصدق قرينة أجلى على إرادة الاستحباب من استعمال الوجوب وهي أن لفظ الخبر في التهذيب جاء على ما قلنا في ذكر غسل دخول الحرم بقوله عليه السلام: (وغسل دخول الحرم يستحب أن لا يدله إلا بغسل) إلا أن في العبارة سقطا إذ هي في الفقيه (وغسل دخول الحرم واجب ويستحب أن لا يدخله الرجل إلا بغسل) فيكون تعبيره عليه السلام عن هذا الغسل بالواجب أولًا ثم تثنيته بذكره استحبابه تاليًا دليلًا متينًا على ما نقول من صحة إرادة الاستحباب من استعمال لفظ الوجوب، فتم المطلوب.
وهنا فرعٌ هو المبحث الثاني: وهو أنه هل يصح تفكيك الحديث الواحد المستعمل فيه لفظٌ واحد إلى أحكام تتراوح بين الوجوب والاستحباب ونحوهما؟
الجواب: نعم، وذلك بالقرائن ككون بعضها معَارَضَةً مما هو أرجح أو مخالفةً للإجماع أو موافقةً لما اشتهر عند العدو إلى ما هنالك.
وإنما يصح التفكيك لعدم ثبوت الملازمة بين الأحكام في الحجية وعدمها، فما يكون مستعملًا فيه لفظ الوجوب في الجميع وقامت الحجة على إرادة الوجوب الاصطلاحي في بعضه والاستحباب الاصطلاحي في بعضه الآخر عُمل به على هذا النحو من التفكيك لأن الحكم تابعٌ لقيام الحجة لا العكس.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.