وهذا مثال على التطبيق وهو شاهدٌ فقهي إذ قد ورد عن الإمام الرضا قوله: ”فإن قال: فلم جعل القراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح في الأخيرتين؟ قيل: للفرق بين ما فرض الله عز وجل من عنده وما فرضه من عند رسوله“. وفي لفظ منقول في الوسائل وغيره ”للفرق بين ما فرض الله عز وجل من عنده وبين ما فرضه رسول الله“.
والتسبيح كما هو معلوم واجبٌ تخييري وإن كان مفروضًا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله والمراد بالفرض من عنده هنا أنه صلى الله عليه وآله في فعل كان منشأ لحكم الفرض، ففي الخبر عن الصادق لما سئل لأي علةٍ صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال عليه السلام: لأن النبي صلى الله عليه وآله لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة من الله فدهش فقا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة.
فكان ما سبح به رسول الله دهشته منشأً لحكم الفرض هذا. وفيه دلالةٌ على أن أفعاله صلى الله عليه وآله وما يعرض عليه - حتى مثل الدهشة - تكون عند الله سبحانه سببًا للتشريع لأنه صلى الله عليه وآله فيه لا يوافق إلا إرادته وتشريعه وحكمته جل وعلا. وهذه فائدة كلامية.
على أن ما جاء في الخبر السابق من إرجاع القراءة إلى الفرض من عند الله عز وجل وإرجاع التسبيح إلى الفرض من عند رسوله صلى الله عليه وآله ليس يعني أن القراءة في نفسها لم تكن سنة كما هو منطق الأخبار، ومنها ما عن أحدهما عليه السلام قال إن الله فرض الركوع والسجود، والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدًا أعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه.
وإنما يعني الإرجاع هذا إلى أن التسبيح الذي هو من إنشاء النبي يقوم في الفرض مقام القراءة التي هي من إنشاء الله سبحانه وتعالى، فتحقق الوجوب التخييري في الأخيرتين وإلا فإن الذي سنَّ في القراءة الأوليين هو النبي نفسه فكان واجبًا لازمًا إلا أنها لمكان كونها مسنونة منه صلى الله عليه وآله كان تركها نسيانًا غير مبطلٍ للصلاة.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.